وصف القرآن
متلو بالألسنة محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا .
--------------------------------------------------------------------------------
هذا من وصف القرآن: نتلوه بالألسن، نقرأه بألستنا، ونتلفظ بكلماته، ونسمعه بآذاننا نسمعه؛ قال الله -تعالى-: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ونكتبه بأيدينا في المصاحف يكتب في المصاحف، ويسطر فيها أسطرا متتابعة، فهو بهذه الصفات لايخرج عن كونه كلام الله إذا قرأه القارئ؛ فإنه كلام الله.
يقال: هذا يتكلم بكلام الله، ولو كان ذاته شكاية لغيره، فإذا قلنا -مثلا-: فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى قلنا: هذا كلام الله عن فرعون، وإذا قرأنا قوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قلنا: هذا كلام الله عن إبليس.
فالحاصل: أنه إذا كتب لن يخرج عن كونه كلام الله، وإذا قرئ وإذا سمع وإذا نسخ مصحف في مصحف فكله كلام الله.
اشتمل القرآن على محكم ومتشابه في قوله -تعالى-: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ وقد فسر المحكم بأنه: الذي ليس به نسخ ولا تغيير، وبأنه الذي يفهم من أوله، يفهمه الذي يسمعه.
هذا هو المحكم، آيات الإحكام محكمة ظاهرة الإحكام، وأما المتشابه فهو: الذي يشتبه على بعض الناس. وقد تقدم في أول الرسالة ذنب الذين يتبعون ما تشابه منه، وهو من أهل الزيغ، وذكرنا أمثلة مما يتشبسون به، وفيه -في القرآن- أمر ونهي، الأوامر والنواهي كثيرة: الأمر منه قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ والنهى: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وفيه ناسخ ومنسوخ -يعني: آيات منسوخة، منسوخ لفظها أو منسوخ معناها.
وما هو بكم في أصول الفقه للناسخ والمنسوخ، كذلك -أيضا- فيه مطلق ومقيد، المطلق: الذي يحتاج إلى تقييد. مثل قوله: وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ والمقيد: وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ونحو ذلك -يعني: فيه هذه الكلمات التي اشتمل عليها- وكله لايخرج عن كونه كلام الله، وصفه الله بقوله: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .
"العزيز" يعني: الجليل، عزيز يعني: ذو عزة وذو قوة وذو بلاغة وذو أسلوب قوي. "لا يأتيه الباطل" الباطل: معناه الخطأ لايتطرق إليه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه من أية جهة؛ لأنه كلام الله.
وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ وكذلك قوله -تعالى-: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا لو اجتمع أولهم وآخرهم على أن يعارضوه ويأتوا بقرآن مثله لعجزوا عن ذلك، فهذا تحدٍ من الله وإخبار بأنهم عاجزون، وقد وقع كما أخبر فدل ذلك على أنه كلام الله.